اخبار عربية ودولية

اتفاق جدة يضع قواعد عملية جديدة لوقف الحرب في السودان

نقلا عن صحيفة العرب

 

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقعه وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة، لمدة أسبوع (قابلة للتجديد) حيز التنفيذ الاثنين كأول خطوة عملية تتجاوز الحديث عن هدنات لأسباب إنسانية وتوفير ممرات لشرايين الحياة، أملا في التوصل إلى وقف شامل للحرب المندلعة بين الطرفين منذ منتصف أبريل الماضي.

 

وتعد هذه الخطوة إنجازا ملموسا لوساطة سعودية – أميركية بدأت منذ حوالي أسبوعين، وقد واجهت تحديات صعبة في ظل تصميم كل طرف على عدم الخوض في التفاصيل العسكرية باستثناء ما كان منها في الحدود الإنسانية التي تخفف المعاناة عن شريحة واسعة من المواطنين بدأت تواجه نقصا حادا في الغذاء والخدمات والعلاج؛ إذ شرع نحو مليون شخص في النزوح واللجوء إلى دول الجوار.

 

وحاول اتفاق السبت تجاوز أخطاء إعلان المبادئ الموقع في الحادي عشر من مايو الجاري في جدة أيضا، والذي حصر مهمته في الدواعي الإنسانية، ولم يلتزم بها الطرفان تماما، ووضعت التفاهمات الجديدة بنودا تشكل في نظر المراقبين رافعة جيدة للتهدئة، إذ شددت على ضرورة إيصالها إلى القوات التابعة لكليهما في ميادين المعركة منعا لحدوث خروقات تحول دون الدخول في مناقشة وقف نهائي للحرب.

 

حاتم إلياس: طرفا الصراع اقتنعا بأن الحسم العسكري صعب

حاتم إلياس: طرفا الصراع اقتنعا بأن الحسم العسكري صعب

ونزع الاتفاق من كل طرف أحد أهم أسلحته العسكرية ومزاياه النوعية، حيث حرّم عليهما “شن هجمات جوية واستخدام الطائرات العسكرية والطائرات دون طيار أو أي أسلحة ثقيلة وعدم تقوية الدفاعات أو إعادة الإمداد وتوزيع الأسلحة، أو محاولة احتلال أراض أو مواقع جديدة وتجميد التجنيد والحشد”.

 

ويقول متابعون إن قيمة اتفاق جدة تأتي من توفيره لجنة مراقبة لرصد تحركات الطرفين على الأرض، تضم 12 شخصا؛ أي ثلاثة ممثلين لكل من دولتي الوساطة (السعودية والولايات المتحدة) والجيش وقوات الدعم السريع، كما منع احتلال المستشفيات ومرافق البنية التحتية الأساسية أو استخدام وسائل النقل الطبي لأغراض عسكرية.

 

ورأى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عبر تغريدة له الأحد، في هذا الاتفاق بصيص أمل للسودانيين، معرباً عن أمله في تمديد الاتفاق في وقت لاحق.

 

ويضيف المتابعون أن مسألة الرقابة مهمة، لكنها لن تستطيع ممارسة عملها بسهولة وسط التداخل الكبير بين قوات كل طرف على مسافات قصيرة في الخرطوم، ما يجعلها تحتاج إلى فريق كبير من المساعدين، وتوظيف جيد للأقمار الصناعية والطائرات المسيرة لرصد ما يجري على الأرض وتحديد المسؤوليات.

 

ولذلك تضمن الاتفاق نصا أشار إلى “وقف إعاقة أي رصد أو تحقق لوقف إطلاق النار قصير الأمد، وأعمال التجسس جوا أو برا أو بحرا”، حيث لعبت هذه الأدوات دورا مهما في إتمام عمليات إجلاء الدبلوماسيين ورعايا الدول الأجنبية بعد اندلاع الحرب.

 

وعمم الاتفاق وقف إطلاق النار على “جميع أنحاء البلاد”، بما يعني وقف الاشتباكات في إقليم دارفور، والتي يشارك فيها الجيش وقوات الدعم السريع بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

وأوضح المحلل السياسي السوداني عمّار عوض أن الحلول أصبحت ممكنة لوقف الحرب، وهو أمر ينفصل عن حل الأزمة سياسيًا، بسبب الانعكاسات شديدة السلبية على المواطنين بما يقود نحو الانزلاق إلى حرب أهلية أو يحوّل السودان إلى دولة فاشلة، لافتًا إلى أن الاتفاق الأخير قابل للتجديد أو التحديث بإضافة قضايا أخرى إليه، وربما يقود ذلك إلى وقف شامل لإطلاق النار، وهي مسألة مختلفة عن مجرد الهدنة الحالية.

 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن السودانيين متفائلون كثيرا بإمكانية انتهاء الحرب لسوء الخيارات الأخرى، ما يساعد على أن تعود الحياة إلى طبيعتها في العاصمة الخرطوم، والتخفيف من شدة تأثر الولايات الأخرى بالحرب الدائرة.

 

◙ الاتفاق نزع من كل طرف أحد أهم أسلحته العسكرية ومزاياه النوعية، حيث حرّم عليهما شن هجمات جوية واستخدام الطائرات العسكرية والطائرات دون طيار أو أي أسلحة ثقيلة

 

وقد يظهر اتفاق جدة مدى قدرة الطرفين على إبداء الانضباط، ويشكل اختبارا لمدى استجابة الجنود لأوامر القادة، والتزام الجيش بما جاء في الاتفاق، ولذلك سيتضح في هذا الأسبوع المدى الذي يمكن أن تبلغه مسألة إيقاف الحرب.

 

وأشار عمّار عوض لـ”العرب” إلى أن الرقابة على الأرض تعزز فرص وقفٍ مؤقت لإطلاق النار، ويمكن البناء لمراحل متقدمة وصولاً إلى الوقف الدائم، وسيكون هناك نوعان من الرقابة، النوع الأول يتعلق بمتابعة العمليات العسكرية ووضع القوات على الأرض من جانب الطرفين، والثاني يتصل بالتأكد من انسياب وصول المساعدات الإنسانية وتطبيع الحياة بين المواطنين في الخرطوم وتوفير الخدمات.

 

وما كان لافتا في الاتفاق تركيزه على “ألا يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للموقعين عليه، ولا يترتب عليه الانخراط في أي عملية سياسية”، ما يعني أن الجيش وقوات الدعم السريع لا يريدان فتح آفاق إيجابية له، قد تفسرها بعض الأطراف على أنها توحي بتنازلات من جانب هذا الطرف أو ذاك، أو يتم تحميلها تأويلات عسكرية وسياسية متباينة تؤثر على الصورة الذهنية التي رسمها كل طرف لنفسه.

 

عمّار عوض: الرقابة على الأرض تعزز فرص وقف إطلاق نار مؤقت

عمّار عوض: الرقابة على الأرض تعزز فرص وقف إطلاق نار مؤقت

وذكر المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس أن طرفي الصراع اقتنعا بأن الحسم العسكري صعب، ما يمهد لتدشين حوار مباشر بينهما، خاصة أن كليهما خرج بمكاسب ترضي تطلعاته، فالجيش حظي بالاعتراف به كقوة رئيسية في البلاد من قبل عدة دول، واعترفت مباحثات جدة والقوى الدولية الداعمة لها بشرعية قوات الدعم السريع دون الإشارة إليها بكلمة “ميليشيا” أو “متمردة”، كما وصفها الجيش.

 

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن القوى الإقليمية الفاعلة أظهرت رغبة شديدة في إيقاف الحرب وهناك قناعة بإمكانية الاتجاه نحو الحلول السياسية، لأن الحرب الدائرة تعبر عن أزمة سياسية تتعلق بقضية الانتقال الديمقراطي والأطر والإجراءات المتعلقة بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، كما أن وجود جيوش متعددة للحركات يقود إلى نشوب صراعات مماثلة سيكون من الصعب حلها عسكريًا، وهو ما يدفع نحو إيجاد حلول سياسية.

 

وتوقع إلياس عدم استمرار الحرب لفترة طويلة، معتبرا أنها ليست شبيهة بصراعات أخرى في المنطقة دامت سنوات، وأن التقاليد العريقة للمكون المدني السوداني والمكانة التاريخية للأحزاب من العوامل التي تصُعب الاستمرار في الحرب.

 

وتحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن السبت مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بشأن الجهود الجارية للتوصل إلى وقف قصير آخر لإطلاق النار، مؤكدا أن الولايات المتحدة متمسكة بالانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي في السودان.

 

وبدا اتصال بلينكن بالبرهان قبيل التوقيع على الاتفاق رسالة واضحة تفيد بأن واشنطن لن تغير موقفها من تسليم الجيش السلطة لحكومة مدنية، وهو ما يصب في صالح الخطاب السياسي الذي تبناه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والرافض لأي انقلاب عسكري أو تعطيل مسار التحول الديمقراطي من قبل البرهان.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار